كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لمجموعة الإعتماد اللبناني
في منتدى
"الاقتصاد اللبناني"
التوجه الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
1-2 أبريل (نيسان) 2015
فندق فينيسيا - بيروت
- معالي وزير الاقتصاد الدكتور ألان حكيم
- أصحاب المعالي والسعادة،
- سعادة حاكم مصرف لبنان، الاستاذ رياض سلامة،
- سعادة رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور فرنسوا باسيل،
- الأخوة زملائي المصرفيين،
- أيها الحضور الكريم،
يسعدني بداية أن أتقدم بإسمي وبإسم مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية وأمانته العامة، بالشكر والتقدير لكم لمشاركتكم بهذا المنتدى، كما أرحب بالحاضرين، من المصرفيين وصناع القرار السياسي والاقتصادي، والاعلاميين، وممثلي الهيئات الإقتصادية والمالية اللبنانية والإقليمية والدولية.
السيدات والسادة،
ينعقد منتدانا اليوم تحت عنوان " الاقتصاد اللبناني - التوجه الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية" في ظل ظروف اقليمية وداخلية صعبة، حيث تتفتح واحدة تلو الأخرى، جبهات الصراع والأزمات في المنطقة، جارفة في طريقها العمران والانسان، فلا شيء يعلو فوق سقف المعركة، ولكن نحن أهل الاقتصاد لنا معركتنا، وهي ضد التخلّف والفقر وضعف النمو والبطالة وفقدان فرص العمل التي نرى فيها مجتمعة سبب كل العلل، والصاعق الذي يفجّر صراعات الشعوب والقبائل والطوائف.
وليس لبنان - وطالما يُعقد هذا المؤتمر حول توجهه الاقتصادي - ببعيد عن تأثيرات أزمات المنطقة، وإن كانت مؤسساته السياسية والادارية والعسكرية لا تزال تعمل بالحد الكافي المقبول، رغم العطب المؤسساتي الذي أصاب نموذج لبنان التعددي، والمتمثل بالفشل بانتخاب رئيس للجمهورية، مع ما يسببه الفراغ الرئاسي من قلق على الاستقرار واستمرارية المؤسسات.
أيها السيدات والسادة،
أربع سنوات مرّت على اندلاع ما سمي بـ"الربيع العربي" الذي سرعان ما تبدّل الى تحوّلات في البلدان العربية التي تشهد الحروب، مخلّفة وراءها شرق أوسط مشرذم ومقطّع الأوصال الاقتصادية والاجتماعية والتراثية.
في ظل هذا الوضع، تأثر لبنان، بطبيعة الحال بأزمات محيطه، فتراجعت معدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الأربع السابقة الى أقل من 2% سنوياً. كما تعطّلت حركة التجارة مع البلدان العربية بشكل كبير نتيجة الحرب في سوريا، وانقطاع الحركة الطبيعية لانتقال الأشخاص والبضائع من خلال البر السوري، ناهيك عن توافد النازحين السوريين الذين قارب عددهم المليون ونصف المليون، والذين وضعوا لبنان أمام تحدّيات اقتصادية وانسانية واجتماعية وأمنية كبيرة، خاصة في ظل غياب المساعدات الدولية الجدّية. فلبنان يشكو اليوم من غياب توجه أو خيار حكومي واضح لتحييده عن مشاكل المنطقة وتأثيراتها على اقتصاده. فالصادرات انخفضت أكثر من 23% مما أدى إلى ارتفاع العجز في الميزان التجاري، فيما عجز الموازنة الى ازدياد، وكذلك الدين العام الذي تعدّى 66 مليار دولار، وقطاعات الصناعة والزراعة مهمّشة، حيث تبلغ موازنة الزراعة أقل من 1% من الموازنة العامة على الرغم من وجود 20% من اللبنانيين يعملون في هذا القطاع، فيما يعاني القطاع الصناعي من جمود ثقيل في حركة النمو يؤدي الى الاستغناء عن الآلاف من فرص العمل.
لذلك فإن التحدّي الأكبر هو عودة الاقتصاد اللبناني الى النمو بمعدلات مرتفعة، مما يستدعي وضع سياسات طويلة المدى كفيلة بمعالجة انعكاسات الأزمة الخارجية، وكذلك العمل على انتاج اقتصاد معافى يخدم المجتمع وتقدّمه ورفاهيته. بالتالي يجب أن يتوزع التخطيط والتركيز على الأساسيات، وأبرزها رأس المال البشري، والبنى التحتية، والاستقرار، والتنافسية، والشفافية، والاستدامة، والمرجعية القضائية، والأمن، والأبعاد الاجتماعية الشاملة لتعزيز المستوى المعيشي والتعليم والصحة وتكافؤ الفرص وسواها. بالمحصلة، لا يكون النمو هدفاً مستقلاً بذاته، بل الركيزة الأهم ربما في عملية التنمية الأشمل.
وكما تعلمون، يحوز لبنان المقيم والمغترب مواصفات دولية تضعه في مركز الصدارة ضمن المنطقة في مجالات حيوية مهمة، وفي مقدمها كفاءة العنصر البشري ثقافة وتعليماً وتدريباً واتقاناً للغات العالمية، وذلك بفضل التنوع والانفتاح والريادة في استقطاب أرقى الجامعات الدولية. هذا ما يمنح المؤسسات، ولا سيما شركات القطاع الخاص ميزة مهمة تعزز التقدّم التنافسي والقدرة على المبادرة وانتاج الخدمات بقيم تفاضلية. كما يحافظ لبنان على موقعه الجاذب للسياحة وكمركز اقليمي مالي وتعليمي وطبي واستشفائي وخدماتي.
أيها السيدات والسادة،
في هذه الظروف الضبابية، يأتي التأكيد على وجود احتياطات كبيرة في المياه الاقليمية اللبنانية من النفط والغاز، كبارقة أمل من شأنها أن تحدث تحولاً استراتيجياً على المستويين الاقتصادي والمالي، ان لجهة استعمال عائدات النفط في الاقتصاد الحقيقي أو لجهة استقطاب المستثمرين العالميين وتوفير فرص عمل جديدة للبنانيين في المجالات البتروكيمائية والنفطية، فيدخل لبنان الى الخارطة النفطية العالمية.
ولكن التنمية الاقتصادية المستدامة تستوجب اتخاذ القرارات المناسبة منذ الآن لكيفية إنفاق عائدات النفط وفقاً لخطة ترتكز الى استراتيجيات استثمار واضحة، ووضع قواعد مالية ومعايير شفافة ترعى طريقة استعمال وتثمير العائدات وتنشيط العجلة الاقتصادية في لبنان.
اضافة الى ما تقدّم، على لبنان ان يقوم بورشة ملحة في اصلاح المالية العامة، وترشيد الانفاق، والاصلاح الاداري، ومكافحة الفقر بالتعليم، ومكافحة الفساد.
أيها السيدات والسادة
على الصعيد المصرفي، أظهر القطاع المصرفي اللبناني الذي يلعب دور الرافعة الاقتصادية، صلابة تجاه الأزمات، مع المحافظة على معدلات نمو مقبولة.
ولا يمكن أن ننسى في هذا السياق سلة التحفيز الاقتصادي التي طرحها المصرف المركزي في السوق اللبنانية والتي تخدم أهداف استعادة النمو والتسليف الاجتماعي والسكني والتعليمي ومشاريع الطاقة والبيئة، واقتصاد المعرفة، وكلها أهداف انبرى حاكم البنك المركزي على خدمتها بالتعاون مع المصارف لخلق المزيد من القيمة، ودفع عجلة النمو المستدام، في وقت تعاني فيه الدولة اللبنانية من صعوبات سياسية حالت منذ عدة سنوات دون إصدار موازنة عامة، وتحقيق إدارة فعالة للاقتصاد.
وإن أفضال تاقطاع المصرفي على لبنان ثابتة، فهو طالما أمّن التمويل، ليس فقط للقطاع الخاص، وإنما للقطاع العام أيضاً عن طريق تأمين التمويل للدولة لفترات متمادية، وبشكل ضمن استمرارية أجهزة الدولة الإدارية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية.
أيها السيدات و السادة،
إن أغلى الأصول التي يملكها لبنان هي موارده البشرية الكفوءة والمرنة والتي اعتادت مواجهة شتى أنواع الازمات. المطلوب من الدولة – وبالحاح شديد – الشروع في ورشة وطنية جامعة للقيام بالاصلاحات المطلوبة، بهدف استعادة الهوية المؤسسية للبلد واعادة تفعيلها ضمن نظم المعلوماتية والحداثة، في جو من الحريات الاقتصادية والانفتاح.
إن إتحاد المصارف العربية، وإيماناً منه بدور لبنان التاريخي في المنطقة والعالم، يسعى من خلال هذا المنتدى إلى الحض على وضع الإستراتيجيات والأفكار اللازمة لإعادة التوازن إلى الإقتصاد اللبناني، ووضعه على المسار الصحيح نحو النمو والإزدهار، مؤكدين على أهمية الإستقرار الأمني والسياسي كعامل أساسي للنهوض الاقتصادي، وقمّة شرم الشيخ الإقتصادية لم تكن لتحقق هذا النجاح الكبير لولا الإرادة السياسية والإصلاحات الجريئة التي قامت بها القيادة المصرية لتأمين هذا المناخ الجيّد للإستثمار.
أتمنى لهذا الملتقى أن يحقق الأهداف المرجوة منه ويخرج بتوصيات جديّة وعملانية تساهم في عملية النهوض الإقتصادي في لبنان. وشكراً لحسن إصغائكم.