الرابطة المارونية
كلمة رئيس الرابطة المارونية
الدكتور جوزف طربيه
بمناسبة توقيع كتاب
"تقسيم قبرص 1974 ونكبة الموارنة"
للكاتب انطوان فضول
جامعة الروح القدس – الكسليك
(قاعة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني)
السبت 20 آذار 2010
كثيرة هي نكبات الموارنة في التاريخين القديم والحديث. منها ما تسبّب بها الغير، ومنها ما تسببت به خلافاتهم والإنقسامات التي تجاوزت الحق المشروع في الإختلاف لتبلغ تخوم المحرمات نتيجة ما خلفته من تدمير ذاتي يصعب حصر سلبياته. لكن الموارنة كانوا يخرجون من ركامهم، وينفضون عنهم رماد الفجيعة، منبعثين كطائر الفينيق المتمرد على المحارق مفرداً جناحيه، قبلته الذرى الشاهقة.
فالنكبات التي طاولت الموارنة لم تكن إذن محدودة في الزمان والمكان . . . كانت متنقلة من منطقة الى منطقة، وإتخذت أشكالاً شتى تراوحت بين الحملات العسكرية المنظمة، والمذابح المتعمدة، وحصار التجويع. ولعل من النكبات التي تذكر في تاريخهم الحديث هو ما حلّ بهم في مواطنهم بجزيرة قبرص على اثر أحداث تموز آب 1974 والتي إنتهت الى تقسيم الجزيرة وإقتلاعهم من أرضهم وتهجيرهم منها ومنعهم من العودة اليها.
لم يقف الموارنة إكليروساً وشعباً متفرجين على هذه النكبة التي حلّت بإخوانهم – وهم من جذور ومنابت لبنانية، ونزحوا الى قبرص هرباً من إضطهاد – بل بادروا بما ملكوا من إمكانات الى النجدة، والإحتضان، وتوفير الدعم المتعدد الجانب، وذلك بفضل الرهبانية اللبنانية المارونية والرابطة المارونية اللتين سخرتا كل الوسائل لتسليط الضوء على هذه المأساة الإنسانية، فاستنهضتا الإعلام اللبناني والدولي، وإستثارتا الحمية في الوطن الأم وديار الإنتشار من أجل تقديم المساعدات المالية والعينية. وقد سافر وفد منهما الى الجزيرة وسط أحوال بالغة الصعوبة، فوزعّ المساعدات وإلتقى أبناء الطائفة وعمل على توفير الضمانات له من خلال الإتصالات التي أجراها مع المسؤولين القبارصة، وبعثات الدول الكبرى، والهيئات الدولية السياسية والإنسانية التابعة للأمم المتحدة. وقد حظت مهمة الوفد بتأييد جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف والمواقع، وتحصنت بوحدة موقف وطني غير مسبوق في وقت كان وضع لبنان يغلي كالمرجل ويتهيأ للحرب – المأساة التي ضربته سحابة خمس عشرة عاماً.
وهنا أرى لزاماً عليّ الإشادة بالدور الكبير الذي إضطلع به في تلك الفترة قدس الأباتي بولس نعمان ، وسعادة النائبين فؤاد السعد ونعمة الله ابي نصر، فهم بذلوا جهوداً مضنية لإنجاح مهمة الوفد مدفوعين بإلتزامهم العميق تجاه إخوانهم موارنة الجزيرة، ونخوتهم اللبنانية، وهي صفة ملازنة لأبناء هذا الجبل الاشم. وأن ننسى لا ننسى ما حظي به الوفد من دعم معنوي كبير وفرّه المثلث الرحمات الكاردينال البطريرك مار بولس بطرس المعوشي، والمغفور له الاباتي بطرس قزيّ رئيس عام الرهبانية انذاك، والمرحوم شاكر ابو سليمان رئيس الرابطة. تغمدهم الله في أخداره، وأجزل لهم الثواب، في صحبة الأبرار والقديسين.
وإذ نلتقي اليوم لنستعيد معاً صورة المأساة التي لا تزال ماثلة أمامنا منذ العام 1974، من خلال الكتاب الذي أصدره الاستاذ أنطوان فضول بعنوان "تقسيم قبرص ونكبة الموارنة"، وهو سفر مرجعي قيم يؤرخ لتلك المرحلة بكل أبعادها، ويكشف معلومات غير متداولة عنها، ويبرز الدور الذي قام به موارنة لبنان في نجدة إخوانهم موارنة الجزيرة، وفق منهج علمي، واسلوب منطقي ومتماسك، فإننا نثني على العمل الكبير الذي قام به، والذي يسدّ فراغاً لا مندوحة من سدّه في المكتبة اللبنانية والإنسانية. كما نحييّ إهتمامه بهذا الموضوع الذي منع سقوطه في غياهب النسيان، وتواريه خلف ضباب الايام.
ويا حضرة النائب الكريم السيد انطوني الحاج روسوس،
نرحب بكم على أرض لبنان، أرض الأجداد والاباء حيث المنابت والجذور. وقل لإخواننا موارنة قبرص إنا قادرون الدور الذي إضطلعوا به من أجل نهضة الجزيرة وعمرانها، وحفظهم لإيمانهم وثباتهم على التعلق بتراث كنيستهم الانطاكية، وتمكنهم من نسج ثقافة حياة واحدة مع مواطنيهم. لقد كانوا ضحية الإستراتيجيات الدولية والإقليمية المتصارعة، ودفعوا الثمن غالياً أسوة بكل مكونات الشعب القبرصي الذي يتوق الى وحدة جزيرته المقسمة، والمشطورة ببوابات عبور بين جزئيها. وهذه الإستراتيجيات حاولت إستنساخ النموذج القبرصي وإسقاطه على لبنان. لكنها لم تحصد سوى الفشل بسبب وعي اللبنانيين وتعلقهم بوحدة وطنهم، وتفاني اللبنانيين في الدفاع عنه، فما بخلوا بالدم المراق، ولا بالأرواح، ليبقوا وطن الأرز شامخاً، عزيز الجانب، عالي الجبين.
وفي الختام،
شكراً لحضوركم ومشاركتكم. والف تحية عبركم لاخواننا موارنة الجزيرة.
شكراً لمؤلف الكاتب الأستاذ انطوان فضول.
شكراً لجامعة الروح القدس – الكسليك.
والمجد للبنان الباقي . . . الثابت في وجه عاديات الزمان . . وطن الحرية والإنتصار لكل قضية محقة. . . .