كلمــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس مجلس إدارة
الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
"الملتقى العربي الأول للمصارف و
رجال الأعمال"
فندق فينيسيا انتركونتيننتال
3-4 آب/أغسطس 2023
بيروت – الجمهورية اللبنانية
_______________________________
معالي الأستاذ أمين سلام – وزير الإقتصاد والتجارة،
سعادة الأستاذ محمد الأتربي – رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية،
معالي الشيخ محمد الجراح الصباح – رئيس بنك الكويت الدولي،
سعادة الدكتور عدنان أحمد يوسف – رئيس جمعية مصارف البحرين،
معالي الدكتور خالد حنفي – أمين عام إتحاد الغرف العربية
سعادة الدكتور زياد خلف – عضو مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية - رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الدولي/العراق،
السادة الخبراء والمتحدثون الكرام،،،
أيّها الحضور الكريم،،،
يُسعدني أن أرحّب بكم في بلدكم الثاني لبنان، وفي عاصمته بيروت الصامدة في وجه الأزمات والتحديات، والحريصة كل الحرص على لعب دورها الرائد والعريق في لم الشمل وتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك. وها هي اليوم تستضيف هذا الملتقى الهام برعاية كريمة من معالي الأستاذ أمين سلام وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، تحت عنوان الملتقى العربي الأول للمصارف ورجال الأعمال.
ان مواضيع الملتقى كثيرة، وتتركّز حول إستراتيجيات وسياسات التمويل في المنطقة العربية، إضافة إلى فجوة التمويل وحاجات قطاعات الأعمال من التمويل، وغيرها من الموضوعات التي تهدف إلى وضع الآليات اللازمة لتعزيز العلاقة بين المصارف وعالم الأعمال، وأهمية تعاونهما معاً، وخاصة في مجالات التمويل والإستثمار، وتفعيل الدور التمويلي للمصارف العربية. وتكمن صعوبة الحصول على التمويل في بعض الدول العربية في عجز بناء علاقة مع المصارف الناشطة في تمويل التجارة، وصعوبة الحصول على اعتراف بجدارة بعض العملاء الائتمانية، او عدم كفاية الضمانات التي يقدمونها، وغيرها من العوامل التي تعزز جدارة العميل للحصول على التمويل.
وفي الواقع ان المنطقة العربية تعتبر مصدراً صافياً لراس المال الى الخارج. أما تدفقات راس المال الى المنطقة العربية فهي محدودة، وتكاد تكون منعدمة الى البلدان المنخفضة الدخل. وبصورة عامة، تشهد مصادر التمويل في المنطقة العربية تراجعاً، وان كان الأمر يختلف بين الدول الغنية بالنفط، حيث التمويل عادة متوفر، والدول العربية الاخرى، التي تواجه عجوزات في موازناتها، وفشل في جذب الرساميل اليها، ناتجة غالباً عن ضعف البيئة الاستقبالية المحلية، وتعدد القيود التنظيمية، وظروف الوضع السياسي والاقتصادي السائدة. كما تواجه البلدان الغارقة بالصراعات تحديات اكبر لتصاعد الاخطار الجيوسياسية التي تواجهها وعدم اليقين حول المستقبل.
ايها السيدات والسادة،
انه يدخل في صلب مهام وتطلعات اتحاد المصارف العربية، تعزيز التعاون بين المصارف العربية من جهة، ومؤسسات الاعمال من جهة اخرى، ومناقشة افاق التعاون والتكامل والاضاءة على السياسية التمويلية المطلوبة والخدمات والمنتجات المصرفية التي تحتاج اليها القطاعات الاقتصادية المختلفة. كما يرى اتحاد المصارف، انه على الرغم من صعوبة المرحلة الحاضرة، فان التحولات السياسية الايجابية الجارية على صعيد منطقتنا ككل سوف تترك اثراً كبيراً على الاقتصاد الكلي وعودة تنشيط الاستثمارات المباشرة الوافدة لتفيد منها معظم الدول العربية، بعد تركزها الحالي في الامارات العربية وتركيا ومصر والسعودية.
أيّها الحضور الكريم،،،
اسحموا لي أن أنتهز مناسبة هذا اللقاء لإلقاء الضوء على واقع القطاع المصرفي اللبناني، منذ إندلاع الأزمة الإقتصادية والمالية والمصرفية في خريف 2019، حيث كان القطاع المصرفي اللبناني قبل هذا التاريخ قطاعاً مستقراً ومتيناً، يلعب دوراً محورياً في تحريك عجلة نموّ الإقتصاد الوطني، من خلال مساهمته في نموّ الناتج المحلي الإجمالي، ودعم القطاعات الإقتصادية المختلفة. إضافة إلى مساهمته في إدخال التقنيات المصرفية الحديثة إلى الإقتصاد الوطني، وتنمية الموارد البشرية وتدريبها، وجذب جزء كبير من الأموال المدخّرة والمجمدة خارج القطاع المصرفي، لكي تدخل إلى الدورة الإقتصادية، وتساهم في عملية التنمية الإقتصادية عبر تمويل وتنفيذ مشاريع التنمية الصناعية والزراعية من خلال تأمين القروض اللازمة، سواء قصيرة الأجل أو طويلة الأجل، لإستثمارها في القطاعات الإقتصادية.
وقد نجح القطاع المصرفي اللبناني لتأمين حاجات لبنان التمويلية للقطاع الخاص وتمويل الدين العام، كما خضع لاعادة هيكلة، بعد انتهاء الحرب الاهلية عام 1990، من خلال اتمام تنفيذ حركة واسعة للدمج والاستحواذ والتصفية الذاتية، تمت جميعها بدون تعريض اي مصرف للإفلاس أو خسارة اي مودع لوديعته.
واليوم، لا يزال لبنان يواجه أزمة إقتصادية ومالية ونقدية غير مسبوقة منذ نهاية عام 2019، حيث أدّت تلك الأزمة مترافقة مع إنتشار جائحة كورونا وكذلك انفجار مرفأ بيروت خلال العام 2020، إلى إنكماش حاد في الإقتصاد اللبناني حيث إنخفض الناتج الوطني من نحو 54.9 مليار دولار بنهاية عام 2018 إلى 21.8 مليار دولار بنهاية العام 2022، بحسب صندوق النقد الدولي. وللاسف حتى اليوم لم يحقق لبنان اية انجازات لمعالجة الازمة التي هي من اعقد واخطر الازمات التي تم تسجيلها حول لبنان. وفي حين يبدو ان التعاون مع صندوق النقد الدولي هو حاجة للبنان، وقد وقعت الحكومة اللبنانية اتفاقاً على مستوى الموظفين مع الصندوق، إلا أن هذا الاتفاق لم يقترن بالتنفيذ إلا بصورة محدودة. ويبدو أن هناك ضرورة لعودة النظر به. كما أنه لا يمكن أن نقلل من الصعوبات التي تواجهها خطة الصندوق في لبنان والتي تشمل وصفاته التقليدية او المستحدثة سواء ما كان منها في الغاء السرية المصرفية، وطلب تشريع قانون للكابيتال كونترول وتوحيد وتحرير سعر الصرف وضبط عجز الموازنة العامة وشطب الودائع واعادة هيكلة المصارف وتصفير رساميلها.
وفي الواقع، لم تكن مسيرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي سهلة، واليوم ستصبح أصعب مع وقوع لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي والاشتباك الدستوري الحاصل حول استمرار صلاحية المجلس النيابي في التشريع في ظل تحوله إلى هيئة إنتخابية يقتصر نشاطها على انتخاب رئيس للجمهورية ليكتمل عقد السلطات الدستورية. يضاف إلى ذلك دقة المواضيع المطروحة على المجلس النيابي للتشريع بشأنها والتي تتضمن بنوداً لا سابق لها في لبنان من حيث تعارضها مع الفلسفة الليبرالية السائدة وضمنها اجراء مراجعة على اساسيات الاقتصاد الحر المعتمدة منذ الاستقلال في منتصف القرن الماضي.
وتدل مناقشات المجلس النيابي الحالية على وجود مواقف رافضة من معظم الكتل النيابية لما تضمنته خطة التعافي من شطب الودائع، حيث تبدو معظم الاتجاهات النيابية لصالح الحفاظ على ودائع المودعين صغارهم وكذلك كبارهم، وبينهم مؤسسات مصرفية عربية ومستثمرون ومودعون عرب أودعوا أموالا لهم منذ عشرات السنين في المصارف اللبنانية، وكذلك الأمر بالنسبة للمودعين اللبنانيين من مقيمين ومغتربين.
كما انه لم تنجح خطة الصندوق في تحميل القطاع المصرفي منفرداً، المسؤولية المادية والمعنوية للازمة النظامية الضاربة جذورها العميقة في السياسات الاقتصادية والمالية الحكومية، من خلال اعفاء الدولة من التزاماتها المالية تجاه مصرف لبنان، وبالتالي من التزامات هذا الاخير تجاه المصارف والمودعين. ونشير ايضاً، في هذا السياق، ان مجلس شورى الدولة قد قبل شكلاً الشهر الماضي، في قرار صادر عنه، مراجعة الطعن من المصارف في كل قرار تتخذه الحكومة بإعفاء نفسها من رد ودائع العملاء، وكذلك قضى، في قرار آخر، بعد الاجازة للحكومة بالاستدانة او المس بأموال الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان باعتبار ان ملكيته محفوظة للمودعين، مما يعطي الطمأنينة للمجتمع المالي ومجتمع الاعمال في استمرار لبنان في احترام القواعد الدستورية والقانونية التي ترعى عملية الاستثمار في لبنان، ومما يمنع على الدولة التخلي عن تسديد التزاماتها، تجاه المشتثمرين، وكذلك تجاه القطاع المصرفي الذي طالما شكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، الغني بعلاقاته التاريخية مع النظام المصرفي العالمي، والذي يعتبر الشريان الحيوي الذي يربط لبنان بالمؤسسات المالية الخارجية من عربية ودولية.
كما يجب أن لا نغفل أن جزءا مهما من أزمة لبنان يتطلب حلا بالسياسة وليس فقط بالإقتصاد، لذلك يقتضي أن تعود المؤسسات الدستورية إلى عملها ويجري انتخاب رئيس للجمهورية ويعود المجلس النيابي للتشريع من أجل تعزيز ثقة المجتمع الدولي والعربي بلبنان وبمؤسساته",فالتوتر السياسي يؤثر سلباً على الاقتصاد وتدفقات راس المال، ولا يجب ان يشعر المستثمرون ان البلاد ذاهبة الى مآزق قد تخرج عن السيطرة. ونشير في هذا المجال الى تصاعد الاهتمام الدولي بالازمة اللبنانية، سواء كان ذلك عن طريق اللجنة الخماسية الدولية الساعية الى حل الجمود السياسي وانتخاب رئيس جمهورية للبنان، كما ان اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وبدء حفريات الشركات الدولية للاستفادة من الاحتياطات الغازية للبنان المتوقعة في المناطق الاقتصادية البحرية تبشر بغد مشرق للبنان، يواكبه نجاح الموسم السياحي في لبنان هذا الصيف وتدفق اعداد السياح والمغتربين مع ما يتركه ذلك من انعكاسات ايجابية على تعزيز الدخل السياحي وتحسين ميزان المدفوعات، واستعادة الثقة بالميزات التفاضلية التقليدية للبنان.
وفي الختام، أجدّد شكري وتقديري لمعالي وزير الإقتصاد والتجارة الأستاذ أمين سلام وإلى ضيوفنا الأعزّاء من كافة الدول العربية، وإلى المتحدثين والخبراء ورجال الأعمال الذين سيشاركونا اليوم هذا الملتقى، متمنياً لهذا اللقاء من تحقيق الأهداف المرجوة.
وشكراً لإصغائكم،،،